عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك»، قلتُ:إنَّ ذلك لعظيم، ثم أيُّ؟ قال: «أن تقْتُلَ ولدَكَ مخافة أن يطْعمَ مَعَك»، قلتُ: ثم أي؟ قال: «أن تُزاني حليلةَ جارِكَ» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وزاد الترمذي والنسائي في رواية:«وتلا هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:٦٨-٦٩]».
فحق الله على العباد: أن يعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئا، والشرك في العبادة ينافي هذا التوحيد ويبطله، والشرك قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، والند هو المثل والشبيه، فمن صرف شيئا من العبادات لغير الله فقد أشرك به شركاً يبطل التوحيد وينافيه، لأنه شبه المخلوق بالخالق، وجعله في مرتبته، ولهذا كان أكبر الكبائر على الإطلاق، ولِما فيه من سوء الظن به تعالى، كما قال الله تعالى على لسان الخليل عليه السلام:{أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ*فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:٨٦–٨٧]
ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام، فكانت الدعوة واقعة على ترك عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بالعبادة وكانت لا إله إلا الله متضمنة لهذا المعنى، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإقرار بها نطقاً وعملاً واعتقاداً -انظر: تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله آل الشيخ.
والشرك أعظم الظلم، ولا أعظم ظلماً من أن يصرف الإنسان عبادة خالقه الذي خلقه لعبادته وتوحيده، ورباه بنعمه الظاهرة والباطنة، وحفظه وكلأه بالليل والنهار، وحماه من جميع المخاوف والأخطار، لمخلوق مثله، خلقه الله بقدرته، ولم يكن من قبل شيئا، بل هو مُسخرٌ، مُدَّبرٌ، مربوبٌ، مُتصرفُ فيه الله تعالي بما شاء من أنواع التصرف، لا يبدي حراكاً، ولا ينفك من قبضه الله عز وجل، بل هو خلقه، وملكه، مخلوقٌ لعبادته، فيرفعه من درجة العبودية والتأله، إلى جعله مألوهاً معبوداً، وهذا والله أظلم الظلم، وأقبح الجهل، وأكبر الكبائر، ولذا لم تدع الرسل إلى شيء قبل التوحيد، ولم تنه عن شيء قبل التنديد، ولم يتوعد الله على ذنب أكبر مما جاء علي الشرك من الوعيد الشديد -انظر: معارج القبول للحافظ الحكمي.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم الذنوب أن يشرك الإنسان بالله جل وعلا، وأن يجعل لله نداً وهو خلقه، وهو المتصرف في خلقه المتوحد بذلك ليس له شريك، وهو الذي هيأ له الحياة ومستلزماتها.
المصدر: موقع دعوة الأنبياء.